فصل: باب ذكر إسماعيل صلوات الله عليه وسلامه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 باب ذكر إسماعيل صلوات الله عليه وسلامه

إسماعيل أكبر بنيه ولد له وهو ابن تسعين سنة وولد إسحاق بعده بثلاثين سنة وقد ذكرنا أن سارة وهبت هاجر لإبراهيم وأنه ولد له منها إسماعيل وأن الخليل هاجر به وبأمه إلى مكة وانه زوج إسماعيل امرأة من جرهم ثم أخرى‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ ولد لإسماعيل اثنا عشر ولدًا منهم‏:‏ نابت وقيمر ويقال قيدار الذي نشر اللّه منه العرب ويقال‏:‏ بل العرب من نابت ومن قيدر‏.‏

وقيل‏:‏ سميت العرب العاربة لأن إسماعيل نشأ بعربة وهي من تهامة‏.‏

وقيل‏:‏ بل لأن أول من نطق بلسان العرب يعرب بن قحطان وهوأبو اليمن فهم العرب العاربة‏.‏

واتخذ اللهّ إسماعيل نبيًا بعد إبراهيم وبعث إلى العماليق وجرهم وقبائل اليمن فنهاهم عن عبادة الأوثان فآمنت له طائفة منهم وكفر الأكثرون‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه قال‏:‏ لما بلغ إسماعيل عشرين سنة توفيت هاجر وهي بنت تسعين سنة فدفنها إسماعيل في الحجر‏.‏

أنبأنا أبوعبد اللّه الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الدّباس أخبرنا أبوجعفر بن المسلمة أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص أخبرنا أبو عبد اللّه أحمد بن إسماعيل بن داود الطوسي حدثنا الزبيربن بكار قال‏:‏ حدثني إسماعيل بن أبي أوشى عن أبيه عن الربيع بن قريع الغطفاني عن عقبة بن بشير قال‏:‏ سألت محمد بن علي بن الحسين قلت‏:‏ يا أبا جعفر من أول من تكلم بالعربية قال‏:‏ إسماعيل وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة قلت‏:‏ فما كان كلام الناس قبل ذلك‏.‏

قال‏:‏ العبرانية‏.‏

وفي رواية عن أبي جعفر قال‏:‏ ألهم اللهّ إسماعيل العربية فنطق بها‏.‏

قال علماء السير‏:‏ لما حضرت إسماعيل الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق وزوج ابنته من العيص بن إسحاق وعاش إسماعيل مائة وسبعًا وثلاثين سنة ودفن في الحِجر عند قبرأمه هاجر‏.‏

قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ شكا إسماعيل إلى ربه عز وجل حرمكة فأوحى اللّه إليه‏:‏ أني أفتح لك بابًا من الجنة في الحِجر يجري عليك منه الروح إلى يوم القيامة‏.‏

وفي ذلك الموضع توفي‏.‏

قال خالد المخزومي‏:‏ فيرون أن ذلك الموضع ما بين الميزاب إلى باب الحجر الغربي فيه قبره‏.‏

وقال صفوان بن عبد اللّه الجمحي‏:‏ حفر ابن الزبير الحجر فوجد فيه سفطًا من حجارة أخضر فسأل قريشًا عنه فلم يجد عند أحد منهم فيه علمًا فأرسل إلى أبي فسأله فقال‏:‏ هذا قبر إسماعيل عليه السلام‏.‏

وفي رواية‏:‏ أنه وجد حجارة خضراء منطبقًا بها فقيال له‏:‏ هذا قبر إسماعيل‏.‏

وقيل‏:‏ بل قبره مقابل الحجر الأسود‏.‏

وقال ابن الزبير‏:‏ هذا المحدودب يشير إلى ما يلي الركن الشامي من المسجد الحرام فقبور عذارى بنات إسماعيل‏.‏

قال‏:‏ وذلك الموضع سوي مع المسجد ولا يثبت أن يعود محمودبًا كما كان‏.‏

قال علماء السير‏:‏ لما توفي إسماعيل دبرأمر الحرم بعده ابنه نابت بن إسماعيل وقيل‏:‏ اسمه نبت وأمه الجرهمية ثم مات نبت ولم يكن ولد إسماعيل فغلبت جرهم على ولاية البيت‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بن سعد أخبرنا محمد بن عمر حدثنا موسى بن إبراهيم عن أبي بكر بن عبد اللّه بن أبي الجهم عن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة عن أبي الجهم بن حذيفة بن غانم قال‏:‏ توفي إسماعيل بعد إسحاق فدفن داخل الحِجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر‏.‏

وولي نابت بن إسماعيل البيت بعد أبيه مع أخواله جرهم‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرنا خالد بن خداش حدثنا عبد الله بن وهب المعبري قال‏:‏ حدثني حرملة بن عمران عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة أنه قال‏:‏ ما يعلم موضع قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة‏:‏ قبر إسماعيل فإنه تحت الميزاب بين الركن والبيت وقبر هود فإنه في خصف تحت جبال اليمن عليه شجرة نداء وموضعه أشد الأرض حرًّا وقبر رسول اللّه صلى الله عليه

 باب ذكر إسحاق عليه الصلاة والسلام

زعم الضحاك بن مزاحم أن إسحاق أوّل مرسل بعد ابراهيم قال‏:‏ ولم يمت إبراهيم حتى بعث إسحاق إلى أرض الشام وبعث يعقوب بن إسحاق إلى كنعان وبعث إسماعيل إلى جرهم وبعث لوط إلى سدوم‏.‏

قال‏:‏ وكان هؤلاء كلهم أحياء على عهد إبراهيم أو كان إبراهيم قد زوج ابنه إسحاق أروقة بنت بتاويل بن ناحور بن آزر فولدت لإسحاق العيص ويعقوب وهو ابن ستين سنة‏.‏

فأما العيص فإنه تزوج بنت عمه إسماعيل وولدت له الروم وكل بني الأصفر من ولده‏.‏

وإنما سمي ولد ولده الأصفر لأنه كان فيه آدمة‏.‏

وكثر أولاوده حتى غلبوا الكنعانيين بالشام وصاروا إلى البحر والسواحل وناحية الاسكندرية وصار الملوك من ولده وهم اليونانية وسيأتي ذكر يعقوب إن شاء اللهّ تعالى‏.‏

وقد ذكر السدي وغيره‏:‏ أن عيصًا ويعقوب اعترضا في بطن أمهما وكانا توأمًا فقال العيص‏:‏ أنا أخرج قبلك فخرج فسمي عيصًا وسمي يعقوب لأنه تبعه‏.‏

قال المصنف‏:‏ ومثل هذا قبيح أن يذكر لأن يعقوب اسم أعجمي ليس بمشتق من العقب ولا عيصًا من المعصية وإثبات خصومة بين حملين من أبعد الأشياء قد نزهت كتابنا عن مثل هذه الأشياء التي تملأ مثلها التواريخ والمبتدآات‏.‏

قال علماء السير‏:‏ عاش إسحاق مائة وستين سنة وتوفي بفلسطين ودفن عند قبر أبيه إبراهيم وانتقل الملك إلى ولد إسحاق فملك منهم ملوك‏.‏

وكان من زمن كيومرت إلى انتقال الملك إلى ولد إسحاق ألف سنة وتسعمائة واثنتان وعشرون سنة‏.‏

 باب ذكر يعقوب عليه السلام

قد ذكرنا أن يعقوب ولد في زمن إبراهيم ونبىء في زمانه أيضًا‏.‏

قال علماء السير‏:‏ كان إسحاق يميل إلى يعقوب ويدعو له‏.‏

ويقال‏:‏ إنه قال للعيص أطعمني لحم صيد أدع لك فسمع يعقوب فجاءه بلحم فدعا له فظنه العيص فتوعد العيص يعقوب بالقتل فخرج هاربًا إلى خاله لابان فزوجه ليا فولدت له روبيل وشمعون ولاوي ويشحب وزبالون وقيل‏:‏ زيلون‏.‏

ثم توفيت فتزوج أختها راحيل فولدت له يوسف وابن يامين ومعناه‏:‏ ابن الوجع لأنها ماتت في نفاسه‏.‏

وذكر الطبري أنه بنيامين وهو بالعربية شداد وولد له من غيرهما أربعة نفر وكان بنو يعقوب اثني عشر ولدًا‏.‏

وأهل الكتاب يقولون‏:‏ كانوا أنبياء ومختلف في ألفاظ أسمائهم فأما روبيل فهو أكبر ولد يعقوب ثم شمعون ويقال سمعان ثم يهوذا وهو في الرئاسة أعلاهم وكان داود وعيسى جميعًا من ولد يهوذا ثم لاوي وكان موسى وهارون من ولده ثم يساخر ثم زيلون ويقال‏:‏ زيالون ويقال‏:‏ زيولون وقد يقال بالراء والباء ربولون ثم جادر ثم أشيز ثم ودان ثم نفثالي ويقال‏:‏ نفثال ويقال‏:‏ نفثول ثم بنيامين ويوسف وكانت أم روبيل وشمعون ويهوذا ولاوي ويساخر وزيلون اسمها ليا بنت لايان خال يعقوب وهؤلاء أخت منها ومن يعقوب أبيهم يقال لها دنيا وكانت امرأة أيوب وكانت أم جاذر وأشيرا إسمها بلها وكانت أمها راحيل كانت أم يوسف وبنيامين اسمها راحيل وهي أخت ليا بنت لايان‏.‏

ومن الحوادث في زمان يعقوب ما جرى ليوسف عليهما السلام فإن أمه راحيل لما ولدته دفعه يعقوب إلى أخته تحضنه‏.‏

قال مجاهد‏:‏ أول ما دخل على يوسف من البلاء فيما بلغنا أن عمته ابنة إسحاق وكانت أكبر ولد إسحاق وكانت إليها مِنْطقة إسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر وكان من أختانها ممن وليها كان له سلَمًا لا ينازع فيه يصنع فيه ما شاء فلما حضنت يوسف أحبته حبًا شديدًا حتى إذا ترعرع طلبه يعقوب فقالت‏:‏ ما أصبر عنه فقال‏:‏ وكذلك أنا‏.‏

قالت‏:‏ فدعه عندي أيامًا فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق فشدتها على يوسف من تحت ثيابه ثم قالت‏:‏ قد فقدت منطقة إسحاق فانظروا من أخذها فوجدت مع يوسف فقالت‏:‏ إنه يسلَمَ لي أصنع به ما شئت فقال يعقوب‏:‏ أنت وذاك فأمسكته فلم يقدر عليه يعقوب حتى ماتت وبذلك عيّره أخوتَه في قولهم‏:‏ ‏{‏إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخ لَهُ مِنْ قَبْلُ‏}‏‏.‏

قال علماء السير‏:‏ لما رأى أخوة يوسف شدة محبة يعقوب له وعلموا المنام الذي رآه وأن الشمس والقمر والنجوم سجدوا له دخلهم الحسد فاحتالوا عليه بقولهم‏:‏ ‏"‏ أرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًَا يَرْتَعْ وَيَلْعَب ‏"‏ فلما خرجوا به إلى البرية أظهروا له العداوة وجعل هذا يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه فجعل يصيح‏:‏ يا أبتاه يا يعقوب لوتعلم ما يصنع بابنك فألقوه في الجب فجعلوا يُدْلونه فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال‏:‏ يا اخوتاه ردُّوا عليّ قميصي أتوارى به في الجبّ فقالوا‏:‏ ادع الشمس والقمر والكواكب تؤنسك‏.‏

فألقوه في الماء فآوى إلى الصخرة في الجب ثم أرادوا أن يرضخوه بصخرة فمنعهم يهوذا وقال‏:‏ قد أعطيتموني موثِقًا أن لا تقتلوه وكان يهوذا يأتيه بالطعام فأوحى اللّه تعالى ‏"‏ ليُنئَنَّهُمْ بأمرهم هذا ‏"‏ ثم جاءوا أباهم عشاء يبكون فقال‏:‏ أين يوسف قالوا‏:‏ أكله الذئب وكانوا قد ذبحوا جديًا فلطخوا بدمه القميص فجاءت سيارة بعد ثلاثة أيام فورد واردهم فتعلق به فصعد فقال‏:‏ ‏"‏ يَا بُشْرى هَذَا غلام ‏"‏‏.‏

فقال اخوته‏:‏ هذا غلام آبق منا‏.‏

واشتروه منهم بعشرين درهمًا ثم باعوه بمصر فاشتراه قُطْفير وكان على خزائن مصر وفرعون مصر يومئذ الريان بن الوليد من أولاد سام بن نوح‏.‏

ويقال‏:‏ إن هذا الملك لم يمت حتى آمن بيوسف ثم مات ويوسف حيّ ثم ملك بعده قابوس بن مصعب فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى‏.‏

فلما اشتراه قطفير أتى به منزله فقال لامرأته واسمها راعيل‏:‏ أكرمي مثواه وكان لا يأتي النساء فراودته عن نفسه ‏{‏وَقَالَتْ‏:‏ هَيْتَ لَك‏}‏ أي‏:‏ تهيأت لك قَالَ‏:‏ ‏{‏مَعَاذَ اللّه‏}‏‏.‏

فأما قوله‏:‏ ‏{‏وهَمَّ بِهَا‏}‏ فإنه حديث الطبع وتمنيه نيل الشهوة لو كانت مباحة فإن الإنسان إذا صام اشتهى شرب الماء غير أن الصوم مانع فرأى البرهان وهو علمه بأن اللهّ تعالى حرّم الزنا ولا يلتفتَ إلى ما يروى في التواريخ والتفاسير من أنه رأى يعقوب عاضًا على يده فإن مرتبة يوسف كانت أعلى من هذا‏.‏

وقد شرحنا هذا في التفسير‏.‏

والشاهد الذي شهد كان طفَلًا صغيرًا تكلم هكذا‏.‏

قال علماء السير‏:‏ ‏"‏ فَلًمّا رَأى ‏"‏ زوج المرأة ‏{‏قَمِيصَهُ قدَّ مِنْ دُبُرٍ‏}‏ قال لزوجته ‏{‏إِنهُ مِنْ كَيْدِكُنّ‏}‏ ثم قال ليوسف‏:‏ ‏{‏أعْرِضْ عَنْ هَذَا‏}‏ أي لا تذكره لأحد ‏{‏وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِك‏}‏‏.‏

فشاع الحديث وجعل النسوة يقلن‏:‏ ‏{‏امْرَأةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِه‏}‏ فلما سمعت بذلك أعدت لهن طعامًا وما يتكئن عليه من الوسائد ‏{‏وأتَتْ كُلَّ وَاحدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا‏}‏ لقطع الأترج ثم قالت ليوسف‏:‏ اخرج فخرج عليهن فقطعن أيديهن بالسكاكين وهُنَّ يحسبن أنهن يقطعن الأترج فقالت لهن‏:‏ ‏{‏فَذَلِكُنّ الَّذِي لُمتنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنن‏}‏ فاستغاث يوسف بربه عز وجل وقال‏:‏ ‏{‏رَبِّ السِّجْنُ أحب إِلَيّ‏}‏ قالت لزوجها‏:‏ إن هذا العبد العبراني قد فضحني بين الناس يعتذر إلى الناس ولا يطيق أن اعتذر فإما أن تأذن لي فأعتذر وإما أن تحبسه فحبسه فأدخل معه السجن فتيان من فتيان الملك وكان أحدهما صاحب طعامه فبلغه أنه يريد أن يسمه فحبسه وحبس صاحب شرابه ظنًا أنه مالأه على ذلك وكان يوسف قد قال في السجن‏:‏ اني أعبر الرؤيا فسألاه عن مناميهما المذكورين في القرآن وقد قيل‏:‏ إنهما لم يريا شيئًا وإنما جرّبا عليه فدعاهما إلى التوحيد أولا بقوله أرباب متفرقون‏.‏

ثم فسر مناميهما فقالا‏:‏ ما رأينا شيئًا فقال‏:‏ ‏{‏قُضِيَ الأمْرُ‏}‏ ثم قال للذي ظن أنه ناج منهما‏:‏ ‏{‏اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك‏}‏‏.‏

وأخبره أنه محبوس ظلْمًا‏.‏

فأوحى إليه‏:‏ يا يوسف اتخذت من دوني وكيلًا‏!‏ لأطيلن حبسك فبكى وقال‏:‏ يا رب أنسى قلبي كثرة البلوى فقلت كلمة فويل لإخوتي‏!‏ فلبث في السجن سبع سنين ثم رأى الملك منامًا وهو قوله‏:‏ ‏{‏إِنِّي أرَى سَبْع بَقَراتٍ سِمَانٍ‏}‏ فقصها على أصحابه فقالوا‏:‏ ‏{‏أضْغَاثُ أحلام‏}‏ ٍ فقال الذي نجا من الفتيين وهو الساقي ‏"‏ وادَّكَر ‏"‏ أي‏:‏ ذكر حاجة يوسف ‏{‏أنا أنبِّئكُمْ بتأوِيٍلهِ فَارْسِلُون‏}‏ ِفأرسلوه فأتى يوسف فأخبره وقال‏:‏ ‏{‏تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِين‏}‏‏.‏

ومعناه‏:‏ ازرعوا‏.‏

فعاد إلى الملك فأخبره‏.‏

فقا الملك‏:‏ ‏{‏ائتوني به‏}‏ فأبى يوسف أن يخرج حين رابه مما قرب به فقال‏:‏ ‏{‏ارجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْالْة مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتي قطَّعْنَ أيْدِيَهُن‏}‏َّ فجمع الملك النسوة وقال‏:‏ ‏{‏ومَا خطبُكُنً إِذْ رَاودتُنَّ يوسفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاش لِلَّه‏}‏‏.‏

ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته فقالت امرأة العزيز‏:‏ ‏{‏أنَا رَاوَدتُهُ‏}‏ فقال يوسف‏:‏ ذلك الفعل الذي فعلت من ترديدي رسول الملك ليعلم قطفير سيدي ‏{‏أنِّي لَمْ أخُنْهُ بَالْغَيْب‏}‏‏.‏

فلما تبين للمك عذر يوسف ورأى أمانته قال‏:‏ ‏{‏ائْتُونِي بِهِ أسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلًمّا‏}‏ أتي به فكلمه ‏{‏قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أمِين‏}‏ فقال‏:‏ ‏{‏اجْعلنِي عَلَى خَزَائنِ الأرْض‏}‏ أي على حفظ الطعام ‏{‏إني حَفِيظٌ‏}‏ لما استودعتني ‏{‏عَلِيم‏}‏ بسني المجاعة فولاه عمل قطفير وعزل قطفير فهلك قطفير في تلك الأيام وزوج الملك يوسف امرأة قطفير فلما دخلت عليه قال‏:‏ أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين فقالت‏:‏ أيها الصادق لا تلمني فإني كنت امرأة حسناء في ملك ودنيا وكان صاحبي لا يأتي النساء وكنت فيما أعطاك ربك من الحسن فغلبتني نفسي فيزعمون أنه وجدها عذراء فأصابها فولدت له أفراييم وميشا فولد لأفراييم نون وولد لنون يوشع فتى موسى وولد لميشا موسى وهو نبي قبل موسى بن عمران‏.‏

وقد روي في حقها غير هذا على ما سيأتي‏.‏

فلما ولي يوسف أمر الناس بالزرع فزرعوا فأمر بترك الزرع في سنبله ودخلت السنون‏.‏

المجدية وقحط الناس وأجدبت بلاد فلسطين وباع يوسف الطعام بالدنانير والدراهم والحلي والجلل ثم باعهم في السنة الأخرى بالعبيد والإماء ثم باعهم بعد ذلك بالخيل والدواب ثم بالمواشي والبقر والطير ثم بالقرى والضياع والمنازل ثم باعهم بأنفسهم فلم يبق بمصر رجل ولا امرأة ولا صغير ولا كبير إلا صار في ملك يوسف‏.‏

أخبرنا أبو المعمر الأنصاري أخبرنا صاعد بن سيار أخبرنا أحمد بن أبي سهل الغورجي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ إجازة أخبرنا محمد بن أحمد بن حمزة حدثنا محمد بن المنفر قال‏:‏ حدثني مطروح بن شاكر حدثنا علي بن معبد العبدي حدثنا عمر بن عبد الله القرشي قال‏:‏ جاء سيل بمصر فحسر عن بيت من ذهب في أصل جبل عليه مصراعان وفيه امرأة عليها سبعة عقود وسبعة أسورة وإلى جانبها صخرة مكتوب فيها‏:‏ أنا شادة بنت فلان الملك أصابتنا مجاعة على عهد يوسف فبذلت صاعًا من درهم بصاع من طعام فلم أقدر عليه ثم بذلت صاعًا من دنانير بصاع من طعام فلم أقدرعليه ثم بذلت صاعًا من لؤلؤ بصاع من طعام فلم أقدر عليه فعمدت إلى اللؤلؤ فسحقته ثم شربته فزادني جوعًا فمت جوعًا فأيما امرأة طلبت الدنيا بعد فأماتها الله موتي فإني إنما مت جوعًا‏.‏

وقد روي أن زليخا صارت في ملك يوسف لأنها اشترت منه بجميع ملكها ثم بنفسها فأخرجها يوسف من مدينته فابتنت لنفسها مسكنًا على قارعة طريق يوسف فغيرتها السنون ونسيها يوسف واشتغل بملكه عليه السلام وكبرت وعميت وانحنى صلبها‏.‏

وكان يوسف يركب في كل شهر ركبة في ثمانمائة ألف وفي ألف دواء وألفي سيف يدور في عمله وينتصب لأهل مملكته وينصف للمظلوم من الظالم‏.‏

وكانت زليخا تلبس جبة صوف وتشد حقويها بحبل من ليف وتقف على قارعة الطريق فإذا حاذاها يوسف نادته فلا يسمع نداءها ففعلت ذلك مرارًا فركب يومًا فنادته‏:‏ أيها العزيز سبحان من جعل العبيد بالطاعة ملوكًا‏.‏

وجعل الملوك بالمعصية عبيدًا فسمعها فبكى والتفت إلى فتاه فقال‏:‏ انطلق بهذه العجوز معك إلى دار الملك واقض لها كل حاجة فقال لها الغلام‏:‏ ما حاجتك يا عجوز فقالحت له‏:‏ إن حاجتي محرمة أن يقضيها غير يوسف فأقبل يوسف من موكبه فدعا بها وقال‏:‏ من أنت يا عجوز قالت‏:‏ أنا معتقتك ومذللتك أنا زليخا فبكى وقال‏:‏ ما فعل حسبك وجمالك قالت‏:‏ ذهب به الذي ذهب بذلّتك ومسكنتك وأعطاك هذا الملك فقال‏:‏ يا زليخا إن لك عندي قضاء ثلاث حوائج فسلي فوحق شيبة إبراهيم لأقضينها فقالت‏:‏ حاجتي الأولى أن تدعو اللّه أن يرد عليّ بصري وشبابي فدعا اللّه لها فرد بصرها وشبابها فلما نظر إلى حسنها وجمالها لم يتمالك أن ضحك ثم قالت‏:‏ ادع الله أن يرد عليّ حسني كما كان فدعا اللّه فرد حسنها وجمالها وزادها كرامة ليوسف فصارت كأنها بنت ثماني عشرة سنة وكان لها يومئذ مائة وعشرون سنة فقالت‏:‏ حاجتي الثالثة‏.‏

قال ما هي قالت‏:‏ ليست حاجتي إليك قال‏:‏ فما حاجتك قالت‏:‏ أن تتزوج بي فأوحىِ الله إليه أن تزوج بها وزينها بكل زينة ثم دخل بها فأصابها بكرًا وأولدها اثني عشر ولدًا‏.‏

ذكر هذه القصة أبو الحسين بن المنادي من حديث وهب بن منبه وغيره‏.‏

قال العلماء‏:‏ وبلغ الجدب أرض كنعان وهلكت ماشية يعقوب ودوابه وجاع هو وأولاده فقال لهم‏:‏ انطلقوا فاشتروا لنا من عزيز مصر طعامًا‏.‏

وكان يوسف قد أقعد صاحب جوازه على الطريق وأمره أن لا يترك أحدًا من أهل الشام يدخل ممر إلا سأله عن حاله وقصته فلما قدم ولد يعقوب سألهم من أين هم فقالوا‏:‏ نحن كنعانيون من بني يعقوب النبي عليه السلام وكتب إلى يوسف بذلك وأنهم يريدون اشتراء طعام فورد الكتاب على يوسف فبكى بكاء شديدًا ثم قال‏:‏ عزعلي يا نبي اللّه بما قاسيت من فقراء الشام وجوعها وأنا ملك مصر ثم أدخلهم عليه ‏{‏فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُون‏}‏ فجعته العبرة ثم قال‏:‏ من أين أنتم قالوا‏:‏ من وادي كنعان قال‏:‏ ومن أنتم قالوا‏:‏ بنو يعقوب النبي ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل فقال‏:‏ حياكم الله يا ولد يعقوب ألكم حاجة قالوا‏:‏ نعم أصابتنا خصاصة فوجهنا يعقوب إليك نمتار منك طعامًا فأمر بصرارهم فأخذت ثم دعا فتاه من حيث لا يشعرون فأمره أن يجعل كل صرة في حمل من الأحمال التي يكيل فيها الطعام لهم وكان هو يتولى الكيل بنفسه ويخيط الحمل بنفسه فلما أرادوا الرحيل قال‏:‏ كيف رأيتم سيرتي وحسن ضيفي قالوا‏:‏ جزاك اللهّ خيرًا فقال‏:‏ إن لي إليكم حاجة قالوا‏:‏ وما حاجتك قال‏:‏ تخبروني كم ولد يعقوب قالوا‏:‏ اثنا عشر قال‏:‏ فما أرى إلا عشرة قالوا‏:‏ أما أحدهما وكان يقال له يوسف وكان أجملنا فأكله الذئب قال‏:‏ فالآخر قالوا‏:‏ موكل بخدمة يعقوب يتسلى به قال‏:‏ فاتوني بأخيكم هذا ‏{‏فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي ولا تَقْرَبُونِ‏}‏‏.‏

فرجعوا إلى يعقوب فقصوا عليه قصتهم فبكى يعقوب وقال‏:‏ ‏{‏هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْه إِلاَّ كَمَا أمِنتُكُمْ عَلَى أخِيهِ مِنْ قَبْل‏}‏ ثم فتحوا متاعهم فوجدوا الصرار فقالوا‏:‏ ‏{‏يَا أبَانَا مَا نَبْغِي هذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا‏}‏‏.‏

ثم ما زالوا بيعقوب حتى بعث معهما ابن يامين ثمِ أنه كره أن تصيبهم العين فقال‏:‏ فلما وصلوا إليه فرأى يوسف ابن يامين خنقته العبرة فلما جلسوا نصب لهم موائد ستة وأمر كل واحد منهم أن يأخذ بيد أخيه من أمه وأبيه فيجلسان على مائدة وأخذ كل واحد بيد أخيه فبقيت مائدة خالية وابن يامين قائم وحده فقال يوسف‏:‏ يا غلام ما لك لا تقعد مع اخوتك قال‏:‏ ليس لي قرين ولقد كان لي أخ فأكله الذئب فقال‏:‏ أتحب يا غلام أن أجلس أنا معك قال‏:‏ نعم فجلس معه فجعل ابن يامين يبكي قال‏:‏ ما لك قال‏:‏ أرى في وجهك علامات طال ما كنت أراها في وجه أخي يوسف‏.‏

فلما كان لهم أمر فتاه أن يجعل الصواع في رحل ابن يامين فلما خرجوا نادى مناد‏:‏ ‏{‏أيًتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُون‏}‏‏.‏

فجرى لهم ما قصّ في القرآن إلى أن ظهر الصواع في رحل ابن يامين فأقبلوا يلطمون وجه ابن يامين وهو يقول‏:‏ وحق شيبة إبراهيم ما سرقت ولا علمت كما لم تعلموا أنتمِ بصراركم قبل ذلك فلما رجعوا إلى أبيهم تخلف روبيل وقال‏:‏‏{‏فَلَنْ أبْرَحَ الأرْض حَتَّى يَأْذَنَ لِي أبِي‏}‏‏.‏

فلما أخبروا يعقوب قال‏:‏ ‏{‏عَسَى اللًهُ أنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا‏}‏ ثم أعرض عنهم ‏{‏وَقَالَ يَا أسَفَا عَلَى يُوسُفَ‏}‏ فقالوا له‏:‏ لا تزال ‏{‏تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَى تَكُونَ حَرَضًا‏}‏‏.‏

فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّه‏}‏ لا إليكم ‏{‏وأعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لا تَعْلَمُون‏}‏ من صدق رؤيا يوسف‏.‏

وقيل‏:‏ إن يعقوب سأل ملك الموت‏:‏ هل قبضت روح يوسف قال‏:‏ لا فقال لأصحابه‏:‏ ‏{‏إِذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأخِيه‏}

فرجعوا إلى مصر فدخلوا على يوسف فقالوا‏:‏ ‏{‏مَسَّنَا وَأهْلَنَا الضُّرًّ وَجِئنَا بِبِضَاعةَ مُزْجَاةٍ‏}‏ وكانت سمنًا وصوفًا فسألوا التجاوز عنهم وقالوا له‏:‏ ‏{‏وَتَصدقْ عَلَيْنَا‏}‏ أي‏:‏ بفضل ما بين الرديء والجيد وقيل‏:‏ ترد أخانا‏.‏

فبكى وقال‏:‏ ‏{‏هَلْ عَلِمْتُم مَا فَعَلْتم بِيُوسُفُ وَأخِيهِ‏}‏ فقالوا‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ قَالَ أنَا يُوسُفُ وَهَذَا أخِي‏}‏ فقالوا‏:‏ ‏{‏لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا‏}‏ فقال‏:‏ ما فعل أبي قالوا‏:‏ عمي من الحزن فقال‏:‏ ‏"‏ اذْهَبُوا بِقَمِيصي هَذَا أفَألْقُوهُ على وَجْهِ أبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأتُونِي بِأهْلِكُمْ أجْمَعِينَ ‏"‏‏.‏

فلما فصلوا بالقميص قال يعقوب‏:‏ ‏{‏إني لأجِدُ رِيحَ يُوسُف‏}‏ فكان بينهما مسيرة ثمانية أيام‏.‏

قال العلماء‏:‏ واستأذنت الريح ربها أن تأتي بريح القميص يعقوب قبل البشر فأذن لها‏.‏

فلما وصل وهو يهوذا وكان قد قال‏:‏ أنا ذهبت بالقميص ملطخًا بالدم فأخبرته أنه أكله الذئب وأنا أذهب اليوم بالقميص فأخبره أنه حيِّ فأفرحه كما أحزنته فألقاه على وجه يعقوب فارتد بصيرًا فقال أولاده‏:‏ ‏{‏يَا أبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا‏}‏‏.‏

{‏قَالَ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُم‏}‏‏.‏

فأخر ذلك إلى ليلة الجمعة وقت السحر‏.‏

ثم دخل يعقوب وأولاده وأهله إلى مصر فلما بلغوا خرج يوسف يتلقاه في ألوف كثيرة فنظر يعقوب إلى الخيل فقال لابنه يهوذا وهو يتوكأ عليه‏:‏ هذا فرعون مصر فقال‏:‏ لا هذا ابنك يوسف‏.‏

فلما التقيا قال يعقوب‏:‏ السلام عليك يا مذهب الأحزان فلما دخلوا مصر رفع أبويه على العرش وهو السرير‏.‏

والمراد بأبويه‏:‏ أبوه وأمه وقيل‏:‏ بل خالته وكانتَ أمه قد ماتت‏.‏

وخروا له الوالدان والأخوة سجدًا‏.‏

وكانت تحية الناس قديمًا‏.‏

فقال يوسف‏:‏ ‏{‏يَا أبتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي‏}‏ التي رأيتها وكان بين الرؤيا وتأويلها أربعون سنة‏.‏

قاله سلمان وقال الحسن‏:‏ ثمانون‏.‏

قال الحسن‏:‏ ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وكان بين ذلك وبين لقاء يعقوب ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة‏.‏

وقد زعم بعض أهل الكتاب أن يوسف دخل مصر وله سبع عشرة سنة وأقام في منزل العزيز ثلاث عشر سنة فلما تمت له ثلاثون سنة استوزره فرعون ملك مصر واسمه الريان بن الوليد وأن هذا الملك آمن به ثم مات‏.‏

وقال بعض علماء السير‏:‏ أقام يعقوب عند يوسف بمصر أربعًا وعشرين سنة وقيل‏:‏ سبع عشرة ومات وهو ابن مائة وسبع وأربعين سنة وعاش يوسف بعد يعقوب ثلاثًا وعشرين سنة وأوصى إلى يوسف أن يدفنه عند أبيه إسحاق فحمله إلى هناك وأوصى يوسف إلى أخيه يهوذا أن يدفن إلى جنب آبائه‏.‏

ومات‏.‏

 باب ذكر أيوب عليه الصلاة والسلام

وهو أيوب بن أموص بن رازح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم‏.‏

نسبه ابن إسحاق‏.‏

وقال هشام بن محمد عن أبيه‏:‏ أيوب بن رازح بن أموص بن العيرز بن العيمر‏.‏

قال وهب بن منبه‏:‏ كان أيوب في زمن يعقوب عليه السلام وكانت تحته بنت يعقوب وكان أبوه ممن آمن لإبراهيم يوم إحراقه‏.‏

وأم أيوب بنت لوط النبي صلى اللّه عليهما فلوط جدّ أيوب لأمه‏.‏

وبعضهم يجعل أيوب بعد سليمان وبعضهم يقول‏:‏ هو بعد يونس‏.‏

والذي يقتضيه الصواب تقديمة على ما قد اخترنا‏.‏

ونبينا أيوب في زمن يعقوب وكان ينزل بالبَثنيَّة من أرض الشام وكان غنيًا كثير الضيافة والصدقة وكان إبليس يومئذ لا يحجب من السماوات فسمع تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب فأدركه الحسد فقال‏:‏ يا رب لو صدمت أيوب بالبلاء لكفرك فقال‏:‏ اذهب فقد سلطتك على ماله ثم سلطه على أولاده ثم على جسده وصبرت معه زوجتش رحمة بنت إفراييم بن يوسف بن يعقوب‏.‏

قال مجاهد‏:‏ أول من أصابه الجدري أيوب‏.‏

وقال وهب‏:‏ كان يخرج عليه مثل ثدايا النساء ثم يتفقأ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا جعفر بن أحمد السراج أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد حدثنا أبي حدثنا كثير بن هشام حدثنا حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال‏:‏ عرج الشيطان فقال‏:‏ أي رب سلطني علي أيوب قال‏:‏ سلطتك على ماله وولده ولم أسلطك على جسده قال‏:‏ فنزل فجمع جنوده فقال‏:‏ إني سلطت على أيوب فأروني سلطانكم قال‏:‏ فصاروا نيرانًا ثم صاروا ماء‏.‏

قال‏:‏ وبيناهم بالمغرب إذا هم بالمشرق فأرسل طائفة إلى زرعه وطائفة إلى إبله وطائفة إلى غنمه وقالوا‏:‏ اعلموا أنه لا يعتصم منكم إلا بمعرفة فأتوه بالمصائب بعضها على أثر بعض‏.‏

قال‏:‏ فجاء صاحب الزرع فقال‏:‏ يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك نارًا فأحرقه‏.‏

وجاء راعي الإبل فقال‏:‏ يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل إلى إبلك عدوًا فذهب بها‏.‏

وجاء صاحب البقر فقال‏:‏ يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى بقرك عدوًا فذهب بها‏.‏

ثم جاء صاحب الغنم فقال مثل ذلك‏.‏

فقال‏:‏ وجاء لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم فبيناهم يأكلون ويشربون فجمع أركان البيت فهدم عليهم البيت‏.‏

قال‏:‏ فجاء إلى أيوب في هيئة الغلام وفي أذنيه قرطان فقال‏:‏ يا أيوب ألم تر إلى بنيك اجتمعوا في بيت أكبرهم يأكلون ويشربون فبيناهم كذلك إذ جاءت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم وطعامهم وشرابهم فقال له أيوب‏:‏ أين كنت أنت قال‏:‏ كنت معهم قال‏:‏ فكيف أفلت قال‏:‏ أفلتَ قال‏:‏ أنت الشيطان قال‏:‏ أنا الآن مثلي يوم خرجت من بطن أمي فقام فحلق رأسه ثم قام يصلي فأرن الشيطان رنة سمعها أهل السموات وأهل الأرض ثم عرج فقال‏:‏ أي رب قد اعتصم وإني لا أستطيعه إلا بتسليطك فسلطني عليه قال‏:‏ قد سلطتك على جسمه ولم أسلطك على قلبه‏.‏

قال‏:‏ فنفخ تحت قدميه نفخة فصرخ من قرنه إلى قدمه حتى بدا حجاب بطنه وألقى عليه الرقاد‏.‏

قال‏:‏ فقالت امرأته ذات يوم‏:‏ يا أيوب قد والله نزل بي من الجهد والفاقة فابعث قرنًا من قروني برغيف فأطعمك فادع ربك فليشفيك قال‏:‏ ويحك كنا في النعماء سبعين عامًا فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عامًا‏.‏

قال‏:‏ فكان في ذلك البلاء سبعين قال‏:‏ فقعد الشيطان في الطريق فأخذ تابوتًا يتطيب فأتته امرأة أيوب فقالت‏:‏ يا عبد الله إن ها هنا إنسانًا مبتلى فهل لك أن تداويه قال‏:‏ إن شاء فعلت على أن يقول لي كلمة واحدة إذا برأ يقول‏:‏ أنت شفيتني قال‏:‏ فأتته فقالت‏:‏ يا أيوب إن ها هنا رجلًا يزعم أنه يداويك على أن تقول له كلمة واحدة‏:‏ أنت شفيتني قال‏:‏ ويلك ذلك الشيطان للّه علي إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة فبيناهم كذلك إذ جاءه جبرئيل فأخذ بيده فقال‏:‏ قم فقام فقال‏:‏ اركض برجلك فركض فنبعت عين فقال‏:‏ اشرب فشرب‏.‏

قال‏:‏ ثم البسه حلة من الجنة وجاءت امرأته فقالت‏:‏ يا عبد اللهّ أين المبتلى الذي كان ها هنا لعل الذئاب ذهبت به أو الكلاب قال‏:‏ فقال‏:‏ ويحك لأنا أيوب قد رد اللّه إلي نفسي قال‏:‏ فقالت‏:‏ يا عبد اللّه لا تسخر بي قال‏:‏ ويحك أنا أيوب فرد اللّه إليه ماله وولده بأعيانهم ومثلهم معهم وأمطر عليهم جرادًا من ذهب‏.‏

قال‏:‏ فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله في ثوبه‏.‏

فيأخذ فيجعل فيه فأوحى اللّه إليه‏:‏ يا أيوب أما شبعت قال أيوب‏:‏ من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك‏.‏

قال‏:‏ فأخذ ضغثًا بيلى فجلدها به‏.‏

قال وكان الضغث مائة شمراخ فجلدها به جلدة واحدة‏.‏

وبالإسناد حدثنا عبد اللهّ حدثنا أبي حدثنا يزيد أخبرنا جرير بن حازم قال‏:‏ سمعت عبد الله بن عبد بن عمير يقول‏:‏ كان لأيوب أخوان فأتياه ذات يوم فوجدا له ريحًا فقالا‏:‏ لو كان الله علم من أيوب خيرًا ما بلغ به كل هذا قال‏:‏ فما سمع شيئًا كان أشد عليه من ذلك فقال‏:‏ اللهم إن كنت تعلم أني لم أبتَ ليلة شبعانًا وأنا أعلم مكان جائع فصدقني‏.‏

قال‏:‏ فصدق وهما يسمعان ثم قال‏:‏ اللهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصًا قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني‏.‏

قال‏:‏ فصدقني وهما يسمعان ثم قال‏:‏ ثم خر ساجدًا ثم قال‏:‏ اللهم لا أرفع رأسي حتى تكشف مابي فكشف الله ما به‏.‏

وقال يزيد مرة أخرى‏:‏ لو كان لأيوب عند اللهّ خير ما بلغ به كل هذا‏.‏

وقال وهب بن منبه‏:‏ كانت زوجته تختلف إليه بما يصلحه وكان قد اتبعه ثلاثة نفر على دينه فلما رأوا ما نزل به من البلاء بعدوا عنه‏.‏

قال الحسن‏:‏ مكث أيوب مطروحًا على كناسة سبع سنين وأشهرًا ما يسأل اللّه أن يكشف ما به وما على وجه الأرض أكرم على الله من أيوب‏.‏

وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس‏:‏ أن أيوب عليه السلام مكث في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات لم يتضعضع ولم يسأل العافية وكان يقول‏:‏ يا رب إن قرأت على ابن ناصر عن سليمان بن إبراهيم الأصبهاني قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الرقي أخبرنا محمد بن عمر بن حفص حدثنا أحمد بن الخليل القومسي حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمرة بن ربيعة عن بشير بن طلحة عن خالد بن الدريك قال‏:‏ لما ابتلي أيوب قال لنفسه‏:‏ قد نعمت سبعين سنة فاصبري على البلاء سبعين سنة‏.‏

قال علماء السير‏:‏ كان عمر أيوب ثلاثًا وسبعين سنة‏.‏

وقال قوم‏:‏ ثلاثًا وتسعين سنة‏.‏

وقيل‏:‏ بل عاش مائة وستًا وأربعين وأوصى عند موته إلى ابنه حومل‏.‏